فصل: (سورة الأنعام: الآيات 69- 70)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: آية 60]

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)}.

.اللغة:

{جَرَحْتُمْ} كسبتم وفي المصباح: وجرح من باب نفح واجترح:
عمل بيده واكتسب: ومنه قيل لكواسب الطير والسّباع: جوارح، لأنها تكسب بيدها.

.الإعراب:

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} كلام مستأنف مسوق لخطاب الكفرة. وهو مبتدأ، والذي خبره، وجملة يتوفاكم لا محل لها لأنها صلة الموصول، وبالليل جار ومجرور متعلقان بيتوفّاكم {وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} الواو حرف عطف، ويعلم عطف على يتوفاكم، وما اسم موصول في محل نصب مفعول يعلم، وجملة جرحتم لا محل لها لأنّها صلة الموصول، ويجوز أن تكون {ما} مصدرية والمصدر المؤول مفعول جرحتم {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، ويبعثكم عطف على يتوفاكم، وفيه جار ومجرور متعلقان بيبعثكم، واللام للتعليل، ويقضى فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بيبعثكم، وأجل نائب فاعل ومسمى صفة {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} عطف على الجملة السابقة، وإليه جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ومرجعكم مبتدأ مؤخر، ثم ينبئكم عطف أيضا، وبما جار ومجرور متعلقان بينبئكم، وجملة كنتم تعملون لا محل لها لأنها صلة، وجملة تعملون خبر كنتم.

.البلاغة:

في هذه الآية التنزيل المنظوم، وهو ما ورد في القرآن موزونا بغير قصد الشعر، وذلك في قوله: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} فهو شطر بيت من البحر الوافر. وقد وجد في القرآن ما هو بيت تامّ أو مصراع، فلا يكتسب اسم الشعر ولا صاحبه اسم الشاعر.
وسنورد لك طائفة من الآيات التي وردت منظومة، ولا تعرّج على القائلين بأنها شعر. فمن ذلك قوله تعالى من الطويل وهو مصراع بيت: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
ومن المديد {واصنع الفلك بأعيننا}.
ومن البسيط: {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم}.
ومن الخفيف: {لا يكادون يفقهون حدبثا}.
وقد يكون بيتا كاملا كقوله وهو من مجزوء الرمل: {وجفان كالجوابي وقدور راسيات}.
وقوله من البحر نفسه: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون}.
ومن مجزوء الكامل: {واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.
ومن المجتثّ: {نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم}.
وقد تلاعب الشعراء في هذا الموضوع وضمنوا أبياتهم آيات وردت منظومة بغير قصد، فورد بعضها طريفا حلوا. وقد ذكر عن أبي نواس أنه ضمن ذلك بقوله:
وفتية في مجلس وجوههم ** ريحانهم قد عدموا التّثقيلا

دانية عليهم ظلالها ** وذلّلت قطوفها تذليلا

وهو من الرّجز ولابد من إشباع الميم في عليهم ليستقيم الوزن. ولا مندوحة هنا عن الاشارة إلى أنه قد نشب بين العلماء خلاف حول جواز اقتباس الآيات الكريمة، والذي عليه الجمهور منهم أنه جائز شريطة ألا يسف الناظم إلى المعاني والموضوعات التي لا تتفق مع جلال القرآن. ومن طريف ما يذكر بهذا الصدد أن بعضهم نظم بيتا قال فيه:
وما حسن بيت له زخرف ** تراه إذا زلزلت لم يكن

ثمّ توقّف لأنه استعمل فيه هذه الألفاظ القرآنية في الشعر فجاء إلى شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد ليسأله عن ذلك، وأنشده البيت، فقال له الشيخ: قل: فما حسن كهف، فقال له: يا سيدي أفدتني وأفتيتني.

.[سورة الأنعام: الآيات 61- 62]

{وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62)}.

.الإعراب:

{وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} كلام مستأنف مسوق لبيان أنه سبحانه هو الغالب القاهر المتصرف بأمور العباد.
وهو مبتدأ، والقاهر خبره، وفوق ظرف متعلق بمحذوف حال، أي: مستعليا، ويرسل الواو استئنافية، ولا بأس بأن تكون عاطفة، من باب عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية، وعليكم جار ومجرور متعلقان بيرسل، وحفظة مفعول به، ويجوز تعليق الجار والمجرور بحفظة، لأنه جمع حافظ، وهو اسم فاعل، أي: يرسل من يحفظ عليكم أعمالكم {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا} حتى ابتدائية أو غائية، وقد تقدمت كثيرا، وإذا ظرف مستقبل متعلق بتوفته، وجملة جاء في محل جر بالإضافة، وأحدكم مفعول به مقدم، والموت فاعل مؤخر، وجملة توفته رسلنا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} الواو حالية، وهم مبتدأ، وجملة لا يفرطون في محل رفع خبر، والجملة حال. ولك أن تجعل الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان أنهم لا يفرطون بشيء من أمور العباد {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وردوا فعل ماض مبني للمجهول، والواو نائب فاعل، وجملة ردوا عطف على توفته، وإلى اللّه جار ومجرور متعلقان بردوا، ومولاهم بدل من اللّه أو نعت له، والحق نعت لمولاهم {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ} ألا حرف تنبيه واستفتاح، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والحكم مبتدأ مؤخر، والواو حرف عطف، وهو مبتدأ، وأسرع الحاسبين خبره، والجملة مستأنفة.

.[سورة الأنعام: الآيات 63- 64]

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}.

.الإعراب:

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} كلام مستأنف لإقامة الحجة على البشر الظالم الذي يبدو ضعيفا حين يقع في الشدة، فإذا انزاحت عنه رجع إلى غيّه وعنفوانه وغطرسته. وقل فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وجملة ينجيكم خبر، ومن ظلمات جار ومجرور متعلقان بينجيكم، والجملة الاستفهامية في محل نصب مقول القول، والبر مضاف إليه، والبحر عطف على البرّ {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} جملة تدعونه في محل نصب على الحال من الكاف في ينجيكم، أي: ينجيكم حال كونكم داعين إياه. أما ما جنح إليه الجلال من تقدير ظرف، وجعلها في محل جر بالإضافة، فهو بعيد جدا، لأن حذف المضاف إلى الجملة لم يسمع في كلامهم. وتدعونه فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعل، والهاء مفعول به، وتضرعا وخفية مصدران في موضع الحال من الواو، أي: تدعونه حال كونكم متضرعين مسرّين.
ويجوز إعرابهما على أنهما مصدران من معنى العامل لا من لفظه، كقولهم: قعدت جلوسا {لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} هذه الجملة منصوبة بإرادة القول، والقول حال، أي: تدعونه قائلين ذلك. ويجوز أن تكون لا محل لها من الاعراب لأنها مفسرة للدعاء، واللام موطئة للقسم، وإن شرطية وأنجانا فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، والفاعل هو، ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به، ومن هذه جار ومجرور متعلقان بأنجانا، والإشارة إلى الظلمات، وهي تجري مجرى الواحدة، ولنكونن اللام واقعة في جواب القسم، وجملة نكونن من الشاكرين لا محل لها لأنها جواب القسم لتقدمه حسب القاعدة، وحذف جواب الشرط لتأخره، على حد قول ابن مالك:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ** جواب ما أخرت فهو ملتزم

ومن الشاكرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر نكونن {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها} الجملة مستأنفة، واللّه مبتدأ، وجملة ينجيكم خبره، ومنها جار ومجرور متعلقان بينجيكم، أي من الظلمات، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول {وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} الواو حرف عطف، ومن كل كرب عطف على الضمير المجرور وإعادة حرف الجر، كما هي القاعدة، وثم حرف عطف، وأنتم مبتدأ، وجملة تشركون خبر.

.[سورة الأنعام: آية 65]

{قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}.

.اللغة:

{يَلْبِسَكُمْ}: يخلطكم، ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا أو يشتبكوا في ملاحم القتال، على حد قوله:
وكتيبة لبّستها بكتيبة ** حتى إذا التبست نفضت لها يدي

{شِيَعًا}: جمع شيعة، كسدرة وسدر، قال الراغب، والشيعة من يتقوى بهم الإنسان، والجمع شيع أشياع.

.الإعراب:

{قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} الكلام مستأنف مسوق لبيان قدرته تعالى على التطويح بهم في المتالف والمهالك. وهو مبتدأ والقادر خبر، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وعلى حرف جر، وأن يبعث مصدر مؤول مجرور بعلى، والجار والمجرور متعلقان بالقادر، وعليكم جار ومجرور متعلقان بيبعث، وعذابا مفعول به، ومن فوقكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لقوله: {عذابا}، أو من تحت أرجلكم عطف على قوله من فوقكم {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} أو حرف عطف، ويلبسكم معطوف على يبعث، وشيعا نصب على الحال، ويذيق عطف على يلبس، وبعضكم مفعول به أول ليذيق وبأس بعض مفعول يذيق الثاني {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} الجملة مستأنفة.
وكيف اسم استفهام في محل نصب على الحال أو مفعول مطلق، ونصرف الآيات فعل مضارع ومفعول به، والجملة في محل نصب مفعول لانظر، ولعلهم لعل واسمها، وجملة يفقهون خبرها، وجملة الرجاء حالية.

.[سورة الأنعام: الآيات 66- 67]

{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}.

.اللغة:

{مُسْتَقَرٌّ} اسم زمان، ويجوز أن يكون اسم مكان، ومن استقر بمعنى ثبت.

.الإعراب:

{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} كلام مستأنف لبيان تكذيبهم بالعذاب المتقدم ذكره. ويجوز أن يعود الضمير على القرآن. والجار والمجرور متعلقان بكذب، وقومك فاعل، والواو استئنافية أو حالية، فتكون الجملة مستأنفة أو حالية من الهاء في: {به}، أي: حال كونه حقا، وهو أشد إيغالا في القبح {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} الجملة مستأنفة مسوقة للرد عليهم. وجملة لست في محل نصب مقول القول، وليس فعل ماض ناقص، والتاء اسمها، وعليكم جار ومجرور متعلقان بوكيل، والباء حرف زائد، ووكيل اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر ليس {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} الجملة مستأنفة مسوقة للدلالة على أن الأمور مرهونة بأوقاتها أو أماكنها. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ونبأ مضاف إليه، ومستقر مبتدأ مؤخر، والواو حرف عطف وسوف حرف استقبال، وتعلمون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون.

.[سورة الأنعام: آية 68]

{وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)}.

.الإعراب:

{وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا} الكلام مستأنف مسوق لأمره صلى اللّه عليه وسلم بالإعراض عنهم في خوضهم في آياتنا. وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب، وهو: فأعرض عنهم، ورأيت فعل وفاعل، والرؤية هنا بصرية، ولذلك تعدّت لواحد، ولابد حينئذ من تقدير حال محذوفة، أي: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا متلبسين بالخوض فيها، ويجوز أن تكون الرؤية قلبية، وحذف المفعول الثاني للاختصار، والذين مفعول به، وجملة يخوضون صلة الموصول، وفي آياتنا جار ومجرور متعلقان بيخوضون {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} الفاء رابطة لجواب الشرط، وأعرض فعل أمر، وعنهم جار ومجرور متعلقان بأعرض، وحتى حرف غاية وجر، ويخوضوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى، وفي حديث جار ومجرور متعلقان بيخوضوا، وحتى الجارة ومجرورها المؤول متعلقان ب أعرض، وغيره صفة لحديث، والضمير يعود على الآيات، والتذكير باعتبارها قرآنا أو حديثا {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الكلام مستأنف مسوق لتقدير طروء النسيان بوسوسة الشيطان. وإن شرطية، وما زائدة، أدغمت فيها نون إن، أي: إن شغلك الشيطان بوسوسته حتى تنسى النهي عند مجالستهم. وينسينك فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والنون نون التوكيد الثقيلة، والكاف مفعول ينسينّك، والشيطان فاعله، والفاء رابطة لجواب الشرط، ولا ناهية، وتقعد فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وبعد الذكرى ظرف زمان متعلق بتقعد ومع ظرف مكان متعلق بتقعد أيضا، والقوم مضاف اليه، والظالمين صفة.

.البلاغة:

1- الاستعارة في الخوض لأنه في اللغة: الشروع في خوض الماء والعبور فيه، وقد استعير للأخذ في الحديث والشروع فيه على أفانين متنوعة، وأساليب متعددة، على وجه العبث واللهو، فهي استعارة مكنية تبعية.
2- الاختلاف في الشرط: قيل في الآية: {وإذا رأيت} فجاء الشرط بإذا لأن خوضهم في الآيات أمر غير مشكوك فيه، وجاء الشرط الثاني بإن لأن إنساء الشيطان أمر مشكوك فيه، قد يقع وقد لا يقع، لأنه معصوم منه، وقد تقدمت القاعدة، فسبحان قائل هذا الكلام.
3- وضع الظاهر موضع المضمر. وقد تقدم بحثه للتنبيه على ظلمهم.

.[سورة الأنعام: الآيات 69- 70]

{وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70)}.

.اللغة:

{ذِكْرى} مصدر ذكر، ولم يجيء على فعلى بكسر الفاء غيره.
{عَدْلٍ} بفتح العين، أي: فداء لأن الفادي يعدل المفديّ بمثله.
والعدل الفدية.
{تُبْسَلَ} من البسل، وأصله في اللغة التحريم والمنع، يقال: هذا عليك بسل، أي، حرام ممنوع. والإبسال: مصدر مثل البسل، وهو المنع. ومنه: أسد باسل، لأن فريسته لا تفلت منه، أو لأنه ممتنع. والباسل: الشجاع لامتناعه من قرنه.
وفي المختار: وأبسله: أسلسه للهلكة، فهو مبسل، وقوله تعالى: {أن تبسل نفس بما كسبت} قال أبو عبيدة: أي أن تسلم، والمستبسل هو الذي يوطّن نفسه على الموت أو الضرب. وقد استبسل أي استقتل، وهو أن يطرح نفسه في الحرب، ويريد أن يقتل أو يقتل لا محالة.

.الإعراب:

{وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} يجوز في الواو أن تكون عاطفة لتتمة الحديث، وأن تكون مستأنفة مسوقة للغرض نفسه. وما نافية، وعلى الذين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وجملة يتقون صلة الموصول، ومن حسابهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال. ومن حرف جر زائد، وشيء مجرور لفظا بمن مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر {وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الواو عاطفة، ولكن مخففة مهملة، وذكرى يجوز أن تكون نصبا على المصدرية بفعل مضمر، أي: ولكن يذكرونهم ذكرى، وأن تكون رفعا على أنها خبر لمبتدأ محذوف. أي: هي ذكرى، أو أنها مبتدأ والخبر محذوف، أي: ولكن عليهم ذكرى، ولعل واسمها، وجملة يتقون خبرها، وجملة الرجاء حالية {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا} الواو عاطفة، وذر فعل أمر، أمات العرب ماضيه، وسيأتي بحثه في هذا الكتاب. وفاعله مستتر تقديره أنت، والذين اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة اتخذوا صلة الموصول، ودينهم مفعول به أول لاتخذوا، ولعبا مفعول به ثان، ولهوا عطف عليه. ويجوز أن تكون اتخذوا بمعنى اكتسبوا، فتتعدى لمفعول واحد، وتكون لعبا ولهوا نصبا على المفعول لأجله {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} الجملة معطوفة، وهي فعل ومفعول به وفاعل وصفة {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} وذكّر فعل أمر وبه جار ومجرور متعلقان بذكّر وأنّ وما بعدها في تأويل مصدر مفعول لأجله، أي: مخافة أن تسلم إلى العذاب والهلكة، والباء حرف جر، وما مصدرية، والمصدر المؤول في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بتبسل. وجملة ليس وما في حيزها صفة لنفس أو مستأنفة، ولها جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ومن دون اللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وولي اسم ليس، وشفيع عطف على ولي {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} الواو عاطفة، وإن شرطية، وتعدل فعل الشرط، وكل عدل نصب على المصدرية، ولا نافية، ويؤخذ فعل مضارع مبني للمجهول، ومنها جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل يؤخذ، ولا يجوز أن يكون نائب الفاعل ضمير العدل لأنه هنا باق على مصدريته، لأن الفعل تعدّى اليه بغير واسطة، ولو كان المراد المعدى به لكان مفعولا به، فلم يتعدّ إليه الفعل إلا بالباء، وكان وجه الكلام: وإن تعدل بكل عدل، فلما عدل عنه علم أنه مصدر، وهذا من الدقائق التي تندّ عن الأذهان {أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا} الجملة مستأنفة مسوقة لبيان قبح ما ارتكبوه. وأولئك مبتدأ، والذين خبره، وجملة أبسلوا صلة الموصول، وبما كسبوا جار ومجرور متعلقان بأبسلوا، وما مصدرية، أي: بسبب كسبهم، ويجوز أن يكون اسم الموصول بدلا من اسم الإشارة، فيكون قوله: {لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} هو الخبر والاشارة إلى الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وشراب مبتدأ مؤخر، وعلى الإعراب الأول تكون الجملة خبرا ثانيا أو حالا أو استئنافية، ومن حميم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لشراب، وعذاب عطف على شراب، وأليم نعت. وقوله: {بما كانوا يكفرون} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف، تقديره: أعدلهم، فيكون بمثابة التفسير لأبسلوا، وما مصدرية، وجملة كانوا لا محل لها، وجملة يكفرون في محل نصب خبر كانوا.